ليس للسابح أن يعلو على الماء (2025)

يصدر هذا الكتاب بمناسبة إدراج “جبل الفاية” في منطقة مليحة بالشارقة، في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

كُتب هذا الكتاب في ظلال جبل الفاية، عبر ليالٍ عدّة قضاها الكاتب في تلك الرّمال التي شهدَت حياة الإنسان منذ العصر الحجري؛ لهذا جاءت الكتابة الشعريّة فيه بصوت مختلف، في جُمَل مقطّعة تفصلها خطوط، تنحو إلى الترميز والمجاز والحكمة في لُعبة أدبيّة مُحْكمة، فهكذا تخيّل الكاتب كلام البشر في ذاك الزّمن: ليس من حاجة للكلام في بيئة صعبة التضاريس وتتحدّى الحياة إلّا إذا كان مهمًّا، ويُسهم في فهم لغز الحياة وحمايته، دون حاجة إلى الاستطراد والبناء اللذين يُعدّان بذخًا لا مكان له، فالعثور على الماء أوْلى، والصّيد أوْلى، ومُعاتبة النجوم والحديث إلى الجبل ومُساءلة الأسلاف ليست من الجنون في شيء، بل هكذا يعرف الإنسان نفسه وأرضه؛ فالأرض تتحدّث أيضًا.

تصدير

مخطوط عُثرَ عليه في مسجد جواثا الأثريّ بمنطقة الأحساء، دون تاريخ، ومجهول المؤلِّف. إنّ فحص المخطوط مخبريًّا يقول لنا إنّ أعمار أوراقه على اختلاف مواد تصنيعها تتراوح بين الأربعمائة عام وحتى الأربعمائة وألف، وتنطبق هذه الملاحظة على مختلف السّوائل التي استُخدمَت في التدوين، كما أنّ الخطّ مُتّسِق بعناصره كافّة حتى درجة كَزّ الحروف على الورق. فهل يعني ذاك أنّ التّدوين نفسه أنْجزه مُدَوِّنٌ واحد عاشَ تلك الأعمار كلّها؟ أم أن المخطوط كان يرثه ابنٌ عن جدٍّ تتلبّسهم روحٌ ندعوها اصطلاحًا المُلَقِّن، وهو من يحرّك أياديهم ويمسك أقلامهم، فقد وردَ في المخطوط “لا تُبعِد كفّي يا ولد” و”دعْكَ لي”، و”تاهَ القلم..”. نُشيرُ أيضًا إلى أنّ صوت المُدَوِّن يطفو أحيانًا مخاطبًا المُلَقِّن (يسبق كلام المُدَوِّن شرطة) “-أبْطأت..” فيأمره المُلَقِّنَ في موضع آخَر “لا تكتب ما لم أقُله”.

تساءلنا أيضًا عن غاية المخطوط؛ هل هو كتاب في الحكمة والتأمّل كما جاء على لسان المُدَوِّن “-الحكمة.. الحكمة..”، أم في الكون والإنسان والخلْق “سأسْألُكَ عن الإله الآخَر..”، أم في المُبهم “البراءَةُ حُوت”. هل يبدأ التدوين فيه وسط طقوس ما “مَن يقول للرّاقصين أنّي أضحك؟” أم في عزلة تامّة “ما أسْفَرْتُ إلّا لك”. هل المُلَقِّنُ عُلويٌّ “كيفَ لك أن تراني يا ولَد، وكفّي على القُبّة” أم أرضيٌّ “ما حُزنك الفاني أمام أحزاني” أم داخليّ “ليسَ غايةُ السّؤال الجواب”. أمْكننا أيضًا الوصول إلى خيط ذهنيّ ينظم متوالية السطور في مواضع، لكننا نفقده تمامًا في مواضع أخرى، غير أنّ المخطوط متّسق اتّساقًا تامًا بالنسبة للمُلَقِّن كما يظهر. وفي النهاية، لا أجوبة.

رُقِّمَت أوراق المخطوط لأغراض البحث والنشر، وأُعتِمَ بعض ما جاء فيه لإشكاليّته العارِضَة في زمننا هذا. وأضفنا إليه أوراقًا في فصلين لم يكونا فيه، وجدنا كلًّا منهما في أماكن أخرى من المسجد: الأوّل “عبدالله الحسن” ويبدو أنّه سلفٌ من أسلاف المُدَوِّن الأخير، وهو المُلَقِّنَ فيه كاشفًا للمُدَوِّن تاريخهما الشخصيّ والعائليّ كما يبدو “أضَعْتُم بِشْتي”، والثّاني “زيارة” جمعناه من أوراق عُثرَ عليها دون ترتيب واضح، واللهُ أعلم.