
يصدر هذا الكتاب بمناسبة مرور 100 عام على نشر كتاب “ملوك العرب” للأديب والرحّالة أمين الريحاني.
هل يمكن تقديم “التاريخ” في بناء بانورامي، يتناوَب في رفْع أعمدته السّرد والشعر، النّقل والاقتباس، الترجمة والتحرير، البحث والتحقيق، المراسلات والوثائق، الصور الفوتوغرافيّة والذاكرة الشفهيّة؛ ليغدو حالةً تُعاش وليس حدثًا يُقال ويُروى؟ هل بالإمكان العمل على خامَة تاريخيّة تذهب إلى الدراما سردًا وشعرًا وتوثيقًا، وتنحو إلى اكتشاف الحدَث المُثير المنسي أو البعيد؛ خامَة محبوكة من مواد أدبيّة متنوّعة لرسم شخصيات عاشت في مراحل زمانية عدّة مرّت على بقعة مكانيّة واحدة؟
اختار الكاتب أن تكون البُقعة هي منطقة الأحساء، شرقيّ المملكة العربية السعودية، التي عُرفَت تاريخيًّا بنخيلها وعيون مياهها، فهي أكبر واحة نخيل في العالم، ومسجّلة بهذه الصّفة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي. لكن اكتشاف النفط فيها غيّر حياتها، وقُدّر لها أن تحوي أكبر حقل نفطي في العالم أيضًا. وهنا، يتتبّع الكاتب حياة تلك المنطقة قبل اكتشاف الزّيت وبعده، في فصول تتوالى لا بالخط الزمني، بل بالإثارة الدرامية: من خيمة الرحّالة أمين الريحاني في ميناء العقير في الأحساء، إلى مجلس الملك عبدالعزيز في الرياض، إلى قصر محمد علي باشا في القاهرة، إلى فيلبي في بار السّان جورج في بيروت، وصولًا إلى الحقول التي شهدت ميلاد عصر الزيت. يبدأ كُلّ فصل باقتباسات يأتي بها الكاتب من مصادر مختلفة ليغْزِل بها سرديّة تاريخية حول تلك الحقبة وشخصياتها، ثم يتبع الاقتباسات بكتابة أدبية ذاتية متعددة الأشكال، يُحاوِر فيها الكاتب من لحظته الزمنيّة الحالية ذاك التاريخ كلّه، ويسأل عن المستقبل.
هذا عمل أدبي/تاريخي يضع القارئ في بؤرة يرى من خلالها كيف شكّل اكتشاف الزّيت التاريخ الحديث للخليج العربي والجزيرة، حتى أصبحت من أهم مناطق العالم، وفي أوائل نشرات الأخبار بوتيرة يوميّة، والقيَم التي تبنّاها إنسان المنطقة لتحقيق ذلك من التمسُّك بأجمل العادات والتقاليد المحليّة الإنسانية التي تشكّل هويّته، فيما يفتح نوافذه لرياح المثاقفة والحوار، ويُقيم للتسامح والاعتدال والتعايش بين البشر موطناً لا يزول؛ ذاك كلّه في سرديّة تاريخية وشعريّة منسوجة بدقة، كتبت بوعي التاريخ وحرارة الحكاية وقلب الإنسان.